كيف تختلف استراتجيات شركات الغاز عن شركات النفط؟


النمط التقليدي لصناعة النفط، ان تستثمر الشركه في البنيه التحتيه لمنشات الانتاج، ثم تنتج النفط و تبحث عن المشترين.

في صناعة الغاز، تختلف الاستراتيجيه قليلا، حيث تبحث الشركه المنتجه عن المشتري اولا و تضمن انه سوف يوقع معها عقدا طويل الأجل ( عشرة سنوات فاكثر). على اثر ذلك تقوم الشركه بالبحث عن التمويل و إقامة منشات الانتاج و التصدير.

يعتقد البعض ان العلاقة بين النفط و الغاز هي علاقة اخوه ، وذلك للتشابه الكبير بينهما. لكن بقليل من التمعن يُمكننا الاستنتاج أنهما (في افضل الحالات) ابناء عمومه، وليس اخوين. ولتبيان هذه الفرضيه، دعونا نبين الفوارق التاليه:
1. يعتبر النفط سلعه عالميه، حيث يحتسب سعر البرميل اعتمادا على خامات مرجعيه (برنت، غرب تكساس، ...). عليه فان سعر البرميل يكاد يكون ثابت رغم تغير الاسواق الجغرافيه. اما الغاز فيمكن اعتباره سلعه اقليميه، ذلك ان سعر الوحده الحراريه البريطانية (Btu, وهي وحدة القياس للغاز) تعتمد بصوره أساسيه على الموقع الجغرافي. فسعر الغاز في الاسواق الامريكيه هو الأرخص(وذلك لوفرة العرض، و الانتشار الواسع لخطوط النقل، اضافة لوجود بدائل الطاقه) ، يليه السعر في في أسواق أوروبا. اما السعر في الاسواق الاسيويه فهو الأعلى على الإطلاق، وذلك للطلب العالي على الطاقه في اسيا في ظل شح البدائل. في هذه الظروف نجد ان سعر الغاز في اليابان يمكن ان يفوق سعره في امريكا بأكثر من ٢٠٪‏.
2. رغم ان كثيرا من مشتري النفط يعمدون للدخول في عقود اجله لتأمين احتياجاتهم( في غالبها عقود قصيرة الى متوسطة الأجل) الا انه يمكنهم الشراء من الاسواق الانيه مباشرة (spot market), وهي أسواق تمتاز بدرجه عاليه من السيوله. اما مشتري الغاز فسبيلهم الأوحد هو الدخول في عقود طويلة الأجل (عشر سنوات وأكثر). بموجب هذه العقود فان المشتري ملزم بدفع ثمن الكميات محل العقد حتى اذا لم يستفد منها(take or pay contract). عليه فان مشتري الغاز يجب ان تكون لديه خطة بديله (plan B) لتقليل/محو اثر الخطر الذي قد يتعرض له في حال رغبته عدم أخذ الكميات محل التعاقد hedging plan.


حاولنا ان نفرق بين صناعتي النفط والغاز وبينا كيف أنهما بالرغم عن تصنيفهما تحت قائمة الوقود الإحفوري (fossil fuel) الا أنهما يختلفان في كثير من التفاصيل. سنحاول الان ان نتطرق الى التحديات التي تواجه صناعة الغاز ، ومن ثم سوف نستعرض بعض التقارير التى صدرت مؤخراً عن مجموعه من الباحثين و مراكز الدراسات الاستراتيجيه حول مستقبل صناعة الغاز.
 قبل الخوض في التفاصيل، يجب التنبيه الى اننا في مبحثنا هذا نتحدث عن الغاز الطبيعي المسال(LNG), و ليس الغاز التقليدي. و لتعميم الفائده، فإننا سوف نبدأ بتعريف ال LNG بشكل مبسط.
الغاز المسال هو عباره عن غاز طبيعي تم تحويله من حالته الغازيه الى حالة السيوله. هذا التحويل يتم بتعريض الغاز الى ضغط شديد في درجة حراره منخفضة جدا (161 درجه مئوية) وذالك بعد تنقية الغاز من الشوائب و تخليصه من المواد غير المرغوب فيها مثل الكبريت و الهيلوم. الهدف من هذا الإجراء (تغيير الطبيعه الفيزيائية للغاز) هو تسهيل نقل الغاز من مناطق الانتاج الى الاسواق العالميه. ذلك لان تسييل الغاز يقلل من حجمه بنسبة 1:600 (فيمكن وضع ٦٠٠ لتر من الغاز في وعاء سعته ١ لتر). و من الطبيعي ان هذا يودي الى سهولة نقل الغاز و بتكلفة اقل. و كلما بعدت مناطق الاستهلاك عن مناطق الانتاج، كلما قلت كلفة نقل الغاز المسال و هذا يودي الى تفوق خيار ال LNG عن نقل الغاز بواسطة انابيب النقل.
يتم نقل الغاز المسال بواسطة ناقلات خاصه معدة خصيصا لهذا الغرض. حيث تتوفر فيها تجهيزات الاحتفاظ بالحرارة المنخفضة جدا لل LNG. و عند استلام شحنة الLNG في منطقة الاستهلاك يتم تحويلها الى الحاله الغازيه مرة اخرى.
تعتبر الجزائر، اندونيسيا، ماليزيا، مصر، واليمن من الدول الرائده في هذه الصناعه. اما دولة قطر فهي المنتج الأكبر بلا منازع حيث تنتج اكثر من 30٪‏ من الانتاج العالمي ( شركة قطر غاز هي اللاعب الأكبر, تليها شركة راس غاز). في الاونه الاخيره، قررت مجموعه من الدول تطوير صناعة الغاز المسال، وقد انفقت مبالغ ضخمه على مشاريع جديده تحت الإنشاء في كل من استراليا، كندا، الولايات المتحده و موزنبيق. عليه من المتوقع ان تتصدر استراليا قائمة الدول المنتجه في حال دخول مشاريعها الى دائرة الانتاج.
على الجانب الاخر تعتبر الدول الصناعيه الاسيويه (اليابان، الصين، كوريا، تايوان، الهند) من اهم مستوردي الغاز المسال، ويرجع ذلك للنمو المضطرد في اقتصادياتها و عدم توفر بدائل الطاقه الاخرى لديها. اضافة لرغبة هذه الدول في استخدام طاقه ذات تأثير بيئي سلبي اقل.
على ذكر التأثير البيئي، تجدر الاشاره الى انه وبالرغم ان الغاز يصنف ضمن عائلة الوقود الإحفوري (اضافة للنفط و الفخم الحجري)، الا ان التأثير السلبي على البيئة الناجم عن استخدام الغاز يقل بنسبه الربع تقريبا عن تأثير النفط. لذلك تحاول كثيرا من الدول التوسع في استخدام الغاز باعتباره طاقه صديقة للبيئة. الا ان الناشطين في قضايا البيئة لا يفرقون كثيرا بين الغاز و النفط و يرفضون تصنيف الغاز على انه طاقة نظيفه.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سياحة في عالم التنافسية التكنولوجيّة

تأملات استشرافية في مستقبل الجغرافيا السياسية

تأثير الحرب الروسية الاوكرانية على امدادات الغذاء