نحو توسيع دائرة القرار الاقتصادي
نحو توسيع دائرة القرار الاقتصادي
عبدالرحمن عبدالله محمد. هيوستن، تيكساس
١. لاشك ان التقدم الاقتصادي و الرفاه الذي حققته الدول الراسماليه، دفع العديد من الدول الاشتراكيه لإعادة النظر في النظرية الاشتراكيه، حتى ان اهم الدول الاشتراكيه (مثل الصين) اتجهت لتبني شكل من أشكال الراسماليه، الشيء الذي حسن اقتصادياتها و رفع مستوى الرفاه لشعوبها.
٢. لكن ألازمه الاقتصاديه العالميه التي هزت الانظمه الراسماليه في العام ٢٠٠٨ نبهت الى حقيق هامه،وهي ان النظام الراسمالي ليس مبرءا من العيوب. اثبتت الأيام انه لا يمكن اغفال دور الرقابه الحكومية وترك الامر للاسواق لترتيب أنفسها (كما يدعي آدم سميث).
٣. توصل السياسيون الى ان دور ال (policy maker) يجب ان يتوقف عند وضع القوانين التي تحمي صغار المتعاملين في السوق، و تضمن عدم إساءة إستخدام ال Market Makers لنفوذهم و يكون ذلك من خلال الحد الأدنى من التدخلات.
٤. لكن تبين ان ال policy makers لا يملكون كل المهارات اللازمه لفهم طبيعة الاسواق، و بالتالي ضمان التشريعات المناسبه. لذلك فقد استعان المشرعون بالأكاديميين و مؤسسات البحث العلمي و مراكز الأبحاث.
٥. لم يكن الأكاديميون افضل حالا من المشرعين في فهم الاسواق. فقد جنحوا الى استخدام الفرضيات الأكاديمية و المعدلات الحسابيه المعقده للتنبؤ بسلوك الاسواق، هذا المنهج المعقد أوقعهم في كثير من الأخطاء، وخلق نوعا من ال miscommunication بينهم و صناع القرار.
٦. اخيراً، وجدت القياده السياسيه نفسها مضطرة للاستعانة بعناصر القطاع الخاص private sector لفهم حركة الاسواق و المشاركه في صنع السياسات. اظهر هؤلاء مهارات جيده في فهم تحولات السوق، و تغيرات أسواق المال.
٧. حينئذ توسعت دائرة صنع القرار الاقتصادي و اصبحت تمثل مثلثا، أضلاعه: التكنوقراط، الأكاديميون، و القطاع الخاص. يؤكد الخبراء ان هذا المثلث هو الذي مكن الاقتصاد الامريكي من تجاوز الازمه الماليه الطاحنة التي اصابته في مقتل.
٨. الان دعونا ننظر للاقتصاد السوداني، والذي يعيش أسوأ حالاته، من حيث تدهور قيمة صرف العمله، و التضخم الحاد الذي اقترب من حاجز ال ٥٠٪, و الانكماش، و زيادة نسبة البطاله. المتأمل في تركيبة ال policy maker يجد مجموعة من السياسيين (لا خبرة لهم في المسالة الاقتصاديه)، و طائفة من التكنوقراط (كوادر فنيه تقليدية تدرجت في العمل المصرفي و دواوين الخدمه المدنيه، قليل منهم تحصل على التاهيل الأكاديمي بالمعايير العالميه )، و فريق من الامنيين.
٩. ليس من المعروف ما اذا كان إقصاء المؤسسه الأكاديمية و طبقة رجال الاعمال من دوائر صنع القرار الاقتصادي كان أمرا متعمدا ام ان الامر لا يعدوا ان يكون محض صدفة. لكن الامر الذي لا خلاف فيه ان هذا الغياب اثر سلبا على منهجية التفكير (وبالتالي شكل القرارات) لدي ال policy makers. لقد اثبتت التجارب ان المؤسسه الأكاديمية يمكنها ان تحدث عصفا ذهنيا، كما ان رجال الاعمال قادرين على استيعاب طبيعة السوق بصورة عمليه و بالتالي توقع ردود افعاله حيال السياسات و القرارات المختلفة.
١٠. ان الحصار الاقتصادي الظالم الذي ظل مفروضا على السودان اثر على تعامل الأجهزه الحكومية الرسمية مع المؤسسات الاقتصاديه و الاستثمارية العالميه. اذكر انني في العام ٢٠١٥ كنت قد تواصلت مع شركة E&Y الاستشارية بخصوص عمل يخص احدى الجهات الحكومية في السودان، وقد أبدو حماسه للعمل في السودان، لكنهم سرعان ما غيروا موقفهم و اعتذروا حين علموا اسم الموسسه الحكومية. في المقابل، فإن رجال الاعمال بما يتمتعون به من علاقات تجاريه عالميه تكون فرصهم اكبر للتعامل مع المؤسسات الدوليه بصورة اكثر فاعلية.
١١. ان التهافت الذي يبديه المسؤوليون الحكوميون في استقبال الشركات الأجنبيه بغض النظر عن حجمها و امكانياتها هو امر غير مقبول. وربما كان من الأفضل ان توكل هذه المهام للقطاع الخاص. كما ان حصر الفرص التدريبه و المؤتمرات الفنيه على منتسبي المؤسسات الحكومية (بنك السودان و وزارة الماليه) هو امر غير مقبول، حيث ان كثير من هذه الفعاليات ذات طابع أكاديمي، فيكون من الأوفق انتداب الأكاديميين لها.
نواصل.....
تعليقات
إرسال تعليق