تأثير الحرب الروسية الاوكرانية على امدادات الغذاء

تأثير الحرب الروسية الاوكرانية على امدادات الغذاء


عبدالرحمن عبدالله سيد احمد 

هيوستن، تكساس

aehaaa@me.com

Twitter: @mahjoub2000




 
 


لعله من نافلة القول ان أزمة الكرونا مهدت الطريق أمام شح الغذاء، لكن الصراع الاكراني/الروسي سيضع العالم أمام أسوأ ازمة غذاء عالمية في التاريخ الحديث. فحتى الآن بلغت الزيادة في اسعار السلع الغذائية والحبوب ما يقارب ال ٢٢٪؜. كما ان ال Global Food Index بلغ معدلات عالية لم يشهدها العالم منذ العام ٢٠٠٧.


فروسيا وحدها تنتج ما يقارب ال ٥٥٪؜ من احتياجات العالم من الأسمدة النيتروجينية، الشيء الذي قفز بأسعار الاسمدة نتيجة لتسابق دول العالم في شرائها وتخزينها. كما ان روسيا واكرانيا تنتجان أكثر من ٣٠٪؜ من احتياجات العالم من القمح، واوكرانيا وحدها مسؤولة عن تزويد ٥٠٪؜ من احتياجات صندوق الامم المتحدة للغذاء من القمح. على صعيد آخر، تنتج الدولتان (روسيا واكرانيا) حوالي نصف استهلاك العالم من الذرة الشامية وزيت عباد الشمس.


في خطابه امام عدد من قادة العالم، ذكر الأمين العام للأمم المتحدة ان عددًا من دول الجنوب الفقيرة (مثل ارتريا) تستورد كل احتياجاتها من القمح من روسيا. وان حوالي ٤٥ من دول العالم الثالث تستورد ما بين الثلث الى النصف من احتياجاتها من القمح من الدولتين (روسيا وأوكرانيا)، تضم هذه القائمة دولا مثل السودان، مصر ليبيا، الكونغو، بوركينافاسو، لبنان، الصومال واليمن.


لقد سجلت اسعار الحبوب مستويات قياسية، تجاوزت اسعار ٢٠٠٧-٢٠٠٨، وهي الأسعار التي ساعدت في تفجر الربيع العربي. الشيء نفسه ينطبق على اسعار الوقود، وهو ما ينذر بخروج ثورات الجياع في مختلف اصقاع العالم، بل وربما نشهد قريبا اصدارة جديدة من ثورات الربيع.


على الجانب الاخر، وجدت دول ال G7 وعددا من دول ال G20 نفسها مشغولة بتأمين احتياجاتها من الغذاء، ودعم المجهود الحربي استعدادا لاحتمالات تمدد الحرب الروسية الاوكرانية، الشيء الذي يضع تحديات جسام أمام قادة العالم الثالث والذين لن يجدوا الدعم الدولي ولا الاقليمي. حتى دول الخليج الغنية ستجد نفسها امام تحدي توفير الغذاء وتأمين حركة الملاحة وسلاسل الإمداد، وربما التحايل على العقوبات الغربية لشراء احتياجاتها من الغذاء والاسمدة الروسية.

 

امام هذا المشهد المؤلم، كان من المؤمل ان تلعب دولا مثل السودان وسوريا واليمن واثيوبيا دورا ايجابا في حل أزمة الغذاء العالمية، لكن الصراعات الداخلية وغياب الامن وهشاشة السلطة حولت هذه الدول ذات الامكانيات الزراعية المهولة الى دول متسولة تبحث عن لقمة العيش.


لقد برهنت الأيام ان دول الشمال الغنية باتت شديدة القلق والحساسية من اعتمادها على النفط العربي، الشيء الذي دفعها الى الاستثمار في بدائل الطاقة وتطوير الكفاءة الاستهلاكية للمعدات والمنشآت، إضافة الى البحث عن بدائل للتنقيب في افريقيا وامريكا الجنوبية وآسيا. وقد رأينا في خطاب الرئيس بايدن الأسبوع الماضي اشاراته الصريحة الى ضرورة الاستغناء عن النفط العربي واهمية التحول الى الطاقات المتجددة والبديلة وتشجيع وسائل المواصلات والنقل (وحتى السيارات الشخصية) الى استخدام الكهرباء والغاز الطبيعي والهيدروجين بدلا عن الوقود الاحفوري.

 

هذه المجهودات ستمثل تحديا اضافيا امام دول الخليج، فالذهب الأسود لن يدوم بريقه طويلا. والفوائض النقدية والأصول الضخمة للصناديق الاستثمارية السيادية العربية سيتم استنزافها بمختلف الطرق. ودونكم الواقعة التراجيدية التي كشفت عنها إحدى الشخصيات السياسية العربية السابقة عندما ذكر ان حكومته قامت بدفع مبلغ محترم للقذافي مقابل الإفراج عن الممرضات البلغاريات. وأن الدافع وراء هذا التدخل هو مجاملة الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي والذي قامت زوجته بدور البطولة في هذه الصفقة. 


لعل ازمات المياه والغذاء ستمثلان احدى التحديات الكبرى للأجيال المقبلة، وقد قيل قديما ان الأزمات التي تمثل تهديدا لبعض الأطراف، قد تقع بردا وسلامات على أطراف أخرى. ومن هنا اتمنى ان تستوعب الحكومات العربية الدرس، كما ارجوا ان تتحرك الحكومة السودانية للاستفادة من هذه الفرص. وذلك عبر الاهتمام بتوفير البنية التحتية للصناعات الغذائية، وتشجيع الاستثمارات العربية والاجنبية والتي تبحث دائما عن الفرص.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سياحة في عالم التنافسية التكنولوجيّة

تأملات استشرافية في مستقبل الجغرافيا السياسية